السلامـــــــــــة في الديـــــــــن





تتصدر السلامة قائمة القضايا والمواضيع المطروحة اليوم في ميادين الصناعة والاقتصاد و الخدمات والملاحظ هوان جل المتناولين لهذه القضية الكبرى من المشغلين والإداريين ينطلقون من هاجس تدبيري صرف مع حضور للعنصر الإنساني ولو بشكل ثانوي. ويقابل ذلك عزوف من قبل العامل عن تطبيق مقتضيات السلامة
أحيانا لعدم الثقة تارة أو لسوء فهم تارة أخرى . لذا بات من الضروري تناول موضوع السلامة من منظور ديني ووضعه في سياقه الموضوعي في إطار الشريعة الإسلامية . ولا أظن أن الأمر يختلف كثيرا عند الشرائع السماوية الأخرى .

تقوم الشريعة الإسلامية على أساس تحقيق مصالح الناس في الدنيا و الآخرة كما يقول الأصولي الكبير الإمام ألشاطبي رحمه الله “إنا استقرانا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد”. فما من تشريع إلا ويهدف إلى جلب منفعة أو إلى دفع مفسدة في الدنيا والآخرة.
إن المصالح الدنيوية والدينية تتمحور حول خمسة عناصر رئيسية تسمى في الاصطلاح الشرعي بالضرورات الخمس وهي الدين والنفس و العقل والمال و النسل. فالجهاد مثلا شرع لحفظ ضرورة الدين التي تقدم على ضرورة النفس في بعض الحالات وكتابة الدين شرعت لحفظ المال وهكذا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الضرورات و المصالح التي تراعيها الشريعة السمحة هي معتبرة لتمكين العباد من العيش الآمن والمستقر الذي بدونه تتعذر العبادة ويصعب التدين.
من هذا المنطلق نخلص إلى أن تحري سلامة الإنسان في عمله وسائر أحواله هو من اوجب الواجبات عليه و على من يشغله أو يتولى أمره وذلك لان السلامة تهدف أساسا لحفظ النفس وهي من الضرورات الخمس كما أسلفنا .
في واقعنا الحالي مازالت تسيطر على عقول الكثيرين من عامة الناس عقلية “المكتوب ما منو هروب” وهي جبرية عفوية قد تجد مكانها حتى في صفوف المتعلمين بل المثقفين أحيانا . إنها عقلية انهزامية تقوم على فهم خاطئ لعقيدة القضاء و القدر وغالبا ما تؤدي إلى تواكلية تقعد أصحابها عن معالي الامور وقد تودي بهم إلى المهالك . فعندما تذكر احدهم بضرورة اخذ الحيطة الكافية قبل الإقدام على عمل مشوب بالخطر مثل الكهرباء سرعان ما يجيبك بالمقولة الدارجة
“ما يقتل إلا العمر” أي لا يموت الإنسان إلا إذا انقضى اجله- وهذا صحيح إلا انه لا يعني أن نترك الأخذ بالأسباب وقد أمرنا بذلك .


نصوص شاهدة


• يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النساء : “وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم اللذين كفروا ” فتقصر الصلاة وهي عماد الدين طلبا للسلامة ودرءا للضرر . وفي نفس السياق ذكر اخذ الحذر مرتين ” وليأخذوا حذرهم ” و “وخذوا حذركم


• ويقول عز من قائل في سورة البقرة : “ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة” فهذه الآية وان نزلت في الإنفاق في سبيل الله فهي تشير كما يقول المفسرون إلى النهي عما فيه هلاك الإنسان

بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار ، وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب ، فقال : أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فاجمعوا لي حطبا ، فجمعوا ، فقال : أوقدوا نارا ، فأوقدوها ، فقال : ادخلوها ، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ، ويقولون : فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار ، فما زالوا حتى خمدت النار ، فسكن غضبه ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :     ( لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة ، الطاعة في المعروف ) .
• وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما اخبر أن الطاعون حل بأرض من بلاد المسلمين أمر من فيها بالخروج منها .فقيل له في ذلك كيف نفر من قدر الله فأجاب : “نفر من قدر الله إلى قدر الله” فاعتبر بذلك أن اتخاذ الأسباب لايعني معارضة قدر الله بل التحول عنه إلى قدر آخر أكثر أمنا وأوفر سلامة متى استطعنا إلى ذلك سبيلا .
وفي الختام لابد من التأكيد على أن تحري السلامة أثناء العمل وأي نشاط يزاوله الإنسان هو من أولى الأولويات .بل هو من الواجبات الدينية التي سيسال عنها . إن التقدم العلمي اليوم لهو في خدمة الإنسان من اجل توفير ظروف السلامة فما على هذا الأخير إلا مسايرة هذا التقدم والأخذ بالأسباب التي يكتشفها ما لم تتعارض مع مقتضيات الشرع الحكيم